أ.د. ذنون الطائي
نشر الاستاذ الدكتور ذنون الطائي مقالا الكترونيا عبر مركز دراسات الموصل حول النتاج الفكري للاستاذ الدكتور سيار الجميل ودوره في كتابة تاريخ الموصل المحلي ، علما بان الاستاذ الدكتور سيار الجميل عضو في الهيئة الاستشارية لمركز الحسو للدراسات الكمية والتراثية وفيمايلي نص المقال :
المؤرخ أ.د. سيار الجميل وبعضاً من كتاباته في تاريخ الموصل المحلي أ.د. ذنون الطائي كانت الموصل ولما تزل منتجة ومبهجة في علمائها الافذاذ على امتداد تاريخها العتيد، فهي منبت للعلماء والمؤرخين والمحققين وفي سائر ضروب المعرفة ممن اثرو المكتبة العربية العلمية بفيض انجازاتهم ومؤلفاتهم العلمية . لا اغالي اذا قلت بأن أ.د. سيار الجميل يتقدم صفوف كل المؤرخين العراقيين المعاصرين بل والعرب بمقياس نتاجه الفكري وغزارة ابحاثه ومؤلفاته العلمية ومقالاته القلمية ، المتعلقة بالاوجه المختلفة لتاريخ العراق والعرب الحديث والمعاصر . ومنها على سبيل الذكر لا الحصر : العثمانيون وتكوين العرب الحديث /حصار الموصل / بقاء وجذور/ العولمة والمستقبل / التحولات العربية/ العرب والاتراك/ المجالة التاريخية/ فلسفة التكوين التاريخي/ تفكيك هيكل / زعماء وافندية/ العثمنة الجديدة/ تحولات الازمنة/ نظرية الاجيال/ جامعة الدول العربية/ .تحقيق مخطوط الدر المكنون في المآثرالماضية من القرون لمؤلفه ياسين الخطيب العمري…وغيرها مما لايتسع المقام لذكرها. فضلاً عن ابحاثه القيمة في موسوعة الموصل الحضارية مجلد 4-5 وهي: الموصل خلال الحكم المحلي / الموصل من نهاية الحكم الجليلي الى الادارة المباشرة / رواد الحركة العربية القومية في الموصل / طبيعة الحياة الثقافية والعلمية في الموصل / تكوين الحكم الوطني واسهام الموصليين في تأسيس الدولة العراقية الحديثة / النظام الاداري في الموصل . وغيرها عشرات المقالات والمحاضرات والابحاث المنشورة على المواقع الالكترونية .الى جانب المشاركة بالمؤتمرات الدولية والعربية المختلفة. والمتتبع لنتاجه الفكري يجد دون عناء تميزه في الاختيارات لموضوعاته الحيوية ودقة تحليلاته التاريخية ، مرتكزاً على الكم الكبير من المصادر الاصلية العربية والاجنبية مختلفة اللغات بأسلوب اخاذ ولغة عالية تختص بالخواص من المثقفين والمؤرخين وتنطوي على العمق في المعاني والمدلولات اللغوية والرمزية في التعبير والتشبيه وفك الاشكالات للحوادث التاريخية من خلال التوصيفات العلمية للزمكان، وهو لا يجد بداً من الاتكاء على المصطلح الاجنبي لإطفاء شمولية في الوصف والتحديد كالمصطلحات المعبرة الاتية (ابستمولوجية ، الكوزموبوليتانية ، الانتلجنسيا، الماضوية) ..الخ يسيح في التحليلات التاريخية والمقارنات البنيوية وصولاً الى نتائج معرفية تاريخية محددة وفق المنهج العلمي والمبني على الاستدلال والاستنتاج مشفوعاً بالتفكيك والتركيب للنص من الجزئيات حتى الكليات ،ودراسة العناصر والمكونات والوقائع والمسميات للحدث بأسلوب رصين ورشيق مكتنز بالتعابير الدقيقة ، ومترع بالمفاهيم المعرفية ،ويأخذ القارئ الى عوالم تاريخية متعددة من تاريخنا العربي والعراقي وحتى المحلي . فهو يكتب بشمولية فائقة الدقة ولا يترك صغيرة ولا كبيرة في موضوعاته حتى يأتي عليها بالنقاش والتوصيف والاستدلال . ويشعر القارئ اللبيب بأن ما في جعبته الكثير والكثير. إنها الموهبة المعرفية التي يتمتع بها الجميل وقد صقلها بالتجربة والاستزادة المعرفية في العلوم الانسانية المختلفة ، فأن يراعه ينز على الدوام افكاراً وطروحات تتلاطم في زوايا الاحداث التاريخية المتعددة ، فهو يحدد الهدف والغاية من ولوج الموضوعات التاريخية وفق عناوين يجتهد كثيراً في صياغتها من الناحية اللغوية والعلمية ، موظفا ادواته واساليبه في السرد والاستدلال والتمكين والاستنتاج والمحاكمة التاريخية، واعتقد اننا بحاجة الى دراسة علمية لنتاجاته المعرفية على صعيد الماجستير او الدكتوراه لإيضاح زخارة اضافاته العلمية للمكتبة العراقية والعربية كونه اسماً لامعاً وبارزاً في عالم التأليف والابحاث والنقد والتحقيق العلمي . ولابد من الاشارة الى ان الدكتور سيار الجميل من مواليد مدينة الموصل سنة 1952 اكمل دراسته فيها وتخرج في كلية الآداب قسم التاريخ سنة 1974 وحصل على شهادة الدكتوراه في انجلترا سنة 1983 وعاد الى كليته تدريسياً واستمر فيها حتى منتصف التسعينيات (وقد اخطأ الراحل أ.د. عمر الطالب بأتخاذه سنة 1992تاريخاً لسفره خارج العراق) حيث سافر الى الاردن ومنها الى دول عربية واجنبية عدة واستقر فيه المقام في كندا تحقيقاً لطموحاته العلمية التي اينعت بعديد النتاجات العلمية ، ولايزال يجد في نشاطاته وابحاثه ومؤلفاته ومقالاته العلمية . اذ كان في جامعة الموصل من انشط زملائه في قسم التاريخ غزارة في العلم والمعرفة والاسهام العلمي ، وكان يتطلع لادواراً علمية كبيرة على صعيد المشاركات في المؤتمرات والندوات والاصدارات والمساهمة في انجاز القواميس والموسوعات ، وهذا ما حدث بالضبط على مدة اربع عقود من البحث والتنقيب في المضان العلمية والتاريخية التي أفضت الى الانجاز العلمي المترع باللغة القشيبة والمضامين المهمة .ويذكرني هذا بقول الشاعر واذا كانت النفوس كباراً تعبت من حملها الاجساد لو اردنا تناول المنجز العلمي والمعرفي للدكتور سيار الجميل لطال الامر كثيراً بالقياس لتنوع وغزارة ذلك المنتج الثر . غير اني هنا وددت ان اضيئ جزئياً من فضاء نتاجه المتمثل بطروحاته المتعددة والمتعلقة بتاريخ الموصل المحلي . وأود أشير الى ان من ابرز ابحاثه وطروحاته الاولى كانت تتعلق بالتاريخ العثماني ، واثر السيطرة العثمانية على اوضاع الوطن العربي منذ مطلع القرن السادس عشر اذ يقول في هذا الاطار : ” ان التاريخ العثماني في فصوله وحقوله وجوانبه من اغنى تواريخ البشرية في العصر الحديث . وقد ارتبط به تاريخنا كعرب ارتباطاً وثيقاً على مدى زمناً طويل يتجاوز اربعة قرون منه ، ولا يمكننا دراسة تاريخنا الحديث ، دون الالمام به ومعرفة جوانبه ، وفهم مزاياه على وجه من الدقة وروح العلم “، ويرى الجميل ان: ليست مهمة المؤرخ الجاد في دراسة تاريخ الولايات العربية في العهد العثماني يسيرة ، بل انها مهمة وفي غاية الصعوبة والتعقيد ، يقع المؤرخ فيها تحت وطأة زحمة الاختيارات والمواقف واعباء صعبة ومهام معقدة وجوانب متباينة ومصادر غريبة ومتنوعة ، عليه السيطرة عليها بكل امانة ورصانة للخروج بدراسات وتجارب نحن في امس الحاجة اليها في يومنا هذا . ونبه مؤرخنا الجميل الى اهمية الانكباب على دراسة تاريخنا العربي خلال العهد العثماني لاستخلاص العبر والدروس وتحديد تلك العلاقة الشائكة بين الطرفين العربي من جهة والعثماني من جهة اخرى فيقول :” ان تاريخ ولاياتنا عربية ابان الفترات العثمانية لم يقرأ او يدرس على نحو علمي واكاديمي موسع وموثق الا في جوانب محددة منه ، لا تفي ومتطلبات حياتنا المعاصرة خصوصا نحن نعلم ان تاريخنا العربي المعاصر في تكويناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية ، انما يرتبط ارتباطا مباشرا وبصورة وثيقة وعضوية لتاريخ تلك الولايات العربية كأقاليم او ادارات مرتبطة بحياة الامبراطورية العثمانية ” يلتفت الجميل الى ابراز الجوانب المميزة لتاريخنا الحديث والمعاصر وبشكل خاص خلال القرنين 18 و19 على صعيد العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويشير الى ان : ابرز ما يميز تاريخ ولاياتنا العربية – العثمانية ، حيوية وقوة ونضوجاً وهي -عنده- فترة القرن الثامن عشر والنصف الاول من القرن التاسع عشر، فقد تميز ذلك التاريخ بمفارقات غريبة وتطورات خطيرة ومميزات مؤثرة ، كما انه غدا ذا طبيعة تاريخية ، تراكمية غنية بالأحداث السياسية الجسام ، والشخوص التاريخية العظام ، وتنوع في العلاقات الاقتصادية وتبلور في الحركات السكانية وركام من الاحداث الاجتماعية وشعاع بعث المراكز الادبية والثقافية ، وموت النظام القديم في انبعاث الاصلاحات والتجديدات ، وكانت الولايات العربية المختلفة مسرحاً واسعة وعريضاً لذلك اذ انها عجت بمتغيراتها التاريخية وبدائلها الهامة وخصوصاً بعد انحسار الدور السياسي وللسلطة المركزية العثمانية ، باعتمادها على الادارات والبيوت والسلالات المحلية على امتداد القرن الثامن عشر . الموصل لدى الدكتور سيار الجميل :هي من امهات المدن التاريخية والعربية العريقة وكان لها شأنها الواسع في العصر الوسيط كعاصمة لدول قوية وباهرة كالدولة الحمدانية والدولة العقيلية والدولة الاتابكية وغيرها ، وهي عاصمة لبلاد الجزيرة في جغرافية العصر الوسيط وغدت جزءاً لا يتجزأ من كيان العراق الحديث بعد بسط السلطان سليمان القانوني سنة 1534نفوذه عليه. لقد برزت ولاية الموصل خلال حقبة حكم الاسرة الجليلية (1726 -1834) بشخصيتها المميزة ، وربما بزَت اقرانها على صعيد البناء المؤسساتي والتشكيلات الادارية وتمتين العلاقات الخارجية والتحولات الاقتصادية والدفاع عن ثرى الوطن ، وعليه فقد جاءت تقييمات مؤرخنا الجميل وفق هذه الانساق مؤكداً : ان فترة الحكم العثماني المحلي ( الجليلي) الموصل من الفترات التاريخية الخصبة في التاريخ السياسي الحديث لولاية الموصل ابان عهد السيطرة العثمانية ، اذ تميزت تلك الفترة بحكم الاسرة الجليلية المرتبط بالسلطة العثمانية ارتباطاً لامركزياً ، اي حكم شبه ذاتي دام اكثر من قرن كامل ، غدت الموصل خلاله وتميزت بشخصيتها وخصوصيتها في مختلف الجوانب ، وذلك لطبيعة المكونات التاريخية التي بلورتها . ويوضح الجميل ان من ابرز تلك المكونات هي : المكانة الجغرافية والتطورات السياسية والادوار الفعالة في الحروب الاقليمية والدفاعات الوطنية والقيادات الشجاعة ، ثم الادوار الاقتصادية والسياسات الضريبية وعوامل اخرى معقدة قادت الى صراعات داخلية واسعة النطاق ، اثر تفاعل قوي لانقسامات السلطة التي قادت الى انقسامات الجيش وهذه قادت الى انقسامات اجتماعية كبيرة ، ولكن بقي دور الموصل خلال ق 18 فعالاً ومؤثراً ليس في تاريخ العراقي فحسب ، بل في تاريخ المشرق العربي قاطبةً ، ولم يكن بغريب ظهور اسرة حاكمة كالجليليين في الموصل . اما بالنسبة للصفحات الاخرى المضيئة من حياة العهد ىالجليلي، فقد حفلت الموصل بنمو مدوناتها الادبية وازدهار حركتها الثقافية ، وتنوع حقول الآداب والمعارف والعلوم فيها بإزدياد مدارسها العلمية التي تخرَج فيها العشرات من الكَتاب و الادباء والعلماء الكبار في العلوم النقلية والعقلية .. كما شهدت الموصل حدثان اساسيان، اولهما وصول الارساليات التبشيرية للموصل لنشر المذهب الكاثوليكي بين المسيحيين وثانيهما ولادة الحركة الاصلاحية السلفية الاسلامية على ايدي بعض العلماء الموصليين خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وأجمل مؤرخنا الجميل احدى ابرز مميزات المجتمع الموصلي عبر تاريخه الحديث والمعاصر ، متمثله بالتركيب الانثوغرافي والديموغرافي الفسيفسائي ، واثره على التلاحم الوطني والمجتمعي حتى يومنا هذا ، مؤكدا : ان مجتمع الموصل تميز بمميزات خاصة قلما نجدها في غيره رغم اوجه التشابه بينه وبين مجتمعات عربية اخرى مجاورة له ، ام بعيدة عنه في اطار العالم العثماني ، وخلال الفترات العثمانية بالذات فقد تركب مجتمع مدينة الموصل في فترة العهد الجليلي من بدائل اثنوغرافية – سكانية ، تختلف في اصولها وجذورها ولكنها تشترك بقاياها وحياتها الاجتماعية واللهجة الموصلية الخاصة التي تميزها وتنفرد بها، وكذلك عاداتها وتقاليدها ويشكل العرب النسبة العالية لسكان المدينة واغلبهم من الذين سكنوها منذ فجر الاستيطان في العهود الاسلامية ، ويشتعل العرب الموصليون بالتجارة والصناعة والعلوم وبعض الحرف الاساسية وينقسم المسلمون الى مذهبين المذهب الحنفي والمذهب الشافعي ويقف على رأس كل مذهب قاض لتدبير شؤونهم ، اما المسيحيين في الموصل فينقسمو الى قسمين : الكلدان والسريان وان اغلب الكلدان من الكاثوليك و بعضهم من السريان الارثوذكس ويطلق عليهم ب(اليعاقبة) مع وجود اقلية يهودية تسكن محلة تسمى باسمهم.و نتيجة قرب الموصل من الجبال فقد استقرت فيها بعض الاُسر الكردية واختلطت مع بعض السكان بالمصاهرة والتزاوج والمهن والحرف . ويستوطن جبال سنجار جماعة اليزيدية وتداعى لهم اسمهم من يزيد بن معاوية ولهم طقوسهم وعاداتهم وهم مجتمع مقفل، وينتشرون كذلك في بعشيقة والشيخان وباعذرا . اما العرب ( الريف والبادية ) فينقسمون الى ثلاث اقسام حسب البيئة ، عرب الانهار قرب نهر دجلة ونهر الزاب وغيرها. وعرب السهول والمراعي وعرب البوادي والصحراء . يلتفت مؤرخنا الى ايضاح النهضة العلمية والثقافية والمعرفية عموما التي شهدتها الموصل منذ القرن الثامن عشر وعملية الاستقطاب التي شهدتها لعديد العلماء وطلبة العلم والمساهمة في إنضاج الفضاء الثقافي والمشهد العلمي فيها بقوله : ” كانت الموصل نقطة جذب حضرية وعملت على كسب ولاء غير منقطع لإقليم متنوع يمتد بشكل دائري عبر شمال العراق من ديار بكر شمالاً حتى تكريت جنوباً ومن الرقة غرباً حتى السليمانية شرقاً ، فليس من الغرابة اذن ان يزدحم مركز مدينة الموصل بعشرات المدارس والمساجد والمكتبات والمجالس الثقافية والشعبية ، وهو يعج بالمجالس (الطرقية) المسؤولة عصر ذاك على روح التفكير العربي ، هذا الى جانب الاساليب المميزة في العمران والفنون والفلوكلوريات المتنوعة . يحصر الدكتور سيار الجميل توصيفات الطبقة التي حملت على كاهلها ثقافة الموصل ب : العالم / العلاٌمة/الفقيه/القاضي/المفتي/الاديب/الشاعر/المحقق/المصنف/المؤرخ/الكاتب/المدقق/الحكيم/المدرس/الناظم/شيخ القراء/الوراق/المجود/الخطيب/الشيخ /المنشئ/المتصوف/الامام/الملا.. وغيرهم. هذه المصطلحات نجدها في ادبيات الموصل وموروثها الثقافي مما يدل على تنوع مجالاتها الثقافية والعلمية . تناول مؤرخنا الجميل الابعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية لهجوم نادر شاه على الموصل سنة 1743 واهميته الاستراتيجية ومعطياته التاريخية معتبراً اياه : من ابرز واهم الاحداث التاريخية في حياة العراق في العصر الحديث وتعد، وقائعه نتائجه ذات دلالات بارزة على حد سواء في مجريات التاريخ الامبراطوري للدولة العثمانية خلال ق 18 وهو يشكل بين هذا وذاك ،احدى الحلقات التاريخية الخطيرة الواسعة في سلسة الصراع العثماني الايراني الذي بدأ منذ اوائل ق 16 ، وتنطوي ايضاً على اهمية الاستراتيجية للحدث في نتائجه ولقد كان لانتصار الموصل المدهش على تلك الحملة الشرسة والجيوش الجرارة اثر بالغ في ترتيب اوضاع المنطقة سياسياً واجتماعياً ويعتبر ذلك مبعث للتأمل والتفكير التاريخي ، اذ جابهت الموصل مصيرها لوحدها وصدت بشجاعة جيش يقدر بربع مليون مقاتل اكتسحت ارضا العراق من جنوبه وشماله . رب سائل يسأل ، هل يختلف تاريخ الموصل بكل تفصيلاته الإثنية والتاريخية والجغرافية عن الحواضر العربية المشرقية والمغربية فيجيبنا الدكتور سيار الجميل موضحاً : ان الموصل تختلف عن بقية المدن العراقية والشامية بخاصية ( التوابع واللواحق ) التي اكسبتها صفات جيدة كما ان للجغرافية تأثيراً بالغاً على تطورها الاقتصادية الاثنوغرافي ، اذ غدت مركزاً لتجمع البضائع والمنتجات وامتلكت اسواقاً محلية واقليمية ودولية ، فضلاً عن موقعها الذي غدا محطة عسكرية للتجهيزات بالمدد والمؤن والغذاء ، ان موقعها الاستراتيجي في رأس الوطن العربي مجاور لعالمين متنافرين في التاريخ الحديث كتركيا وايران ، من جانب اخر فان الموصل نقطة تجمع للمسالك المارة بها الواصلة بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب كل ذلك يفسر استراتيجيتها التي كانت هدفاً لاطماع دول عديدة ، كما يفسر وقوع المدينة وخضوعها لمرات عدة امام السيطرة الاجنبية . من الثابت في المصادر التاريخية ان الاعمال الاصلاحية والتطلعات النهضوية التي شهدها العراق كانت خلال حقبة الوالي مدحت باشا منذ سنة 1869 ، غير ان المتصفح لتاريخ الموصل المحلي يجد دون ريب ان الوالي محمد باشا اينجة بيرقدار قد سبقه بذلك منذ سنة 1834 في الموصل بجملة من الاعمال الاصلاحية ، وهنا يؤكد الجميل : ان الموصل خلال النصف الاول من ق 19 كانت هي السباقة بين الولايات العثمانية والعربية في تطبيق المشاريع الاصلاحات العثمانية الرصينة ،على اثر تكليف محمد باشا اينجة بيرقدار لولاية الموصل والذي قام بعدة مشاريع اصلاحية نهضوية فيها على الصعيد الاداري والعسكري والاقتصادي . كانت الموصل على الدوام مصدراً للعلم والكفاءات في شتى الحقول ، وعند تأسيس الحكم الوطني سنة 1921 اسهمت الموصل برفد الدولة الفتية بالتخصصات المقتدرة لتلعب ادوارها في البناء الوطني وعلى الصعد كافة، ويؤكد هنا الجميل بتأكيد ذلك بقوله : لقد برز خلال عقد العشرينات( عهد التأسيس) العديد من رجالات الموصل في مرافق الادارة والمؤسسة العسكرية التي وقف على رأسها جعفر العسكري فكان قد انجبت الموصل عدداً من المتصرفين والقائممقامين والمدراء والموظفين المدنيين الذي خدم اغلبهم في دوائر وزارة الداخلية ، كما وكان في الموصل عدد من القضاة والمحاميين المعروفين الذين خدموا في المحاكم الشرعية والمدنية وفي دوائر الاوقاف ، ناهيك عن عدد من الضباط المرموقين الذين خدموا الجيش العراقي ، هذا وقد برز في الفترة اللاحقة كوزراء ورجال مؤسسات وقادة وقضاة ومدراء واساتذة جامعة ، وقد استقطبتهم العاصمة بغداد واحداً بعد الاخر.في الحقيقة هذه إضاءة صغيرة ولمحة فكرية خاطفة للاسهامات الفكرية الغنية للمؤرخ الاستاذ الدكتور سيار الجميل في تاريخ الموصل المحلي.
مصدر المقال :https://web.facebook.com/permalink.php?story_fbid=403718101762326&id=100063724179232&_rdc=1&_rdr