كتاب المؤرخ ذنون الطائي مع حياديته ، كتب بروح من المحبة والتقدير للمؤرخين الثمانية وهذه الحميمية قد نفتقدها في أعداد من المؤلفات في هذه الأيام.
بقلم: أنورعبدالعزيز
على طريقة المؤرخين القدامى، أسمى الدكتور ذنون الطائي مدير مركز دراسات الموصل
وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الموصل / كتابه الجديد:
“التحفة اللامعة من مؤرخي الجامعة” باعتماد العنوان المسجوع.
جاء هذا الإصدار بعد تسعة مؤلفات في اختصاصه هي: (الاوضاع الادارية في الموصل خلال العهد الملكي 1921-1958، الاتجاهات الاصلاحية في الموصل – في اواخر العهد العثماني وحتى تأسيس الحكم الوطني، رواد النهضة الفكرية في الموصل، الموصل في الاطاريح الجامعية “مشترك”، الموصل في الدوريات العراقية “مشترك”، من دعاة اليقظة الاسلامية في الموصل، ابحاث في تاريخ الموصل المعاصر، في الوطنية الموصلية، مدارس الموصل ومعلموها – نماذج منتخبة). الكتاب من اصدار دار ابن الاثير بجامعة الموصل لسنة 2011، وجاء في 256 صفحة من القطع الكبير، واشتمل على تسعة فصول، اختصَّ كل فصل منها بمؤرخ.
الفصل الاول كان عن المؤرخ الدكتور احمد قاسم الجمعة (من مواليد 1938 وباختصاص لدكتوراه في الاثار الاسلامية ومنذ سنة 1975 من كلية الاثار بجامعة القاهرة). وفي الفصل الثاني (المؤرخ الدكتور عماد الدين خليل من مواليد 1939 وباختصاص دكتوراه في التاريخ الاسلامي من كلية الاداب بجامعة عين شمس بالقاهرة).
وفي الفصل الثالث عالج الباحث مسيرة المؤرخ الدكتور هاشم الملاّح – سيرة ونتاجاً تاريخياً – فذكر ان هاشم الملاّح من مواليد 1940 وحصل على الدكتوراه عن اطروحته (نظام الحكم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم) من جامعة “سانت اندروز” في اسكتلندا بالمملكة المتحدة سنة 1972. والفصل الرابع كرَّسه الباحث لدراسة المؤرخ الدكتور عبدالواحد ذنون طه (حياة ونتاجاً تاريخياً) فذكر انه من مواليد 1943 وكان موضوع اطروحته للدكتوراه “تاريخ المغرب والاندلس” من جامعة اكستر ببريطانيا سنة 1978.
وفي الفصل الخامس كان البحث عن الدكتور ابراهيم خليل العلاّف من مواليد 1945 واطروحته للدكتوراه بعنوان: “تطور السياسة التعليمية في العراق 1932-1941” من جامعة بغداد. في الفصل السادس جاء عن الدكتور غانم محمد الحفو من مواليد 1946
وعنوان اطروحته للدكتوراه: “العراق في مواجهة الحرب العالمية الثانية” من جامعة
بواتييه بفرنسا. ثم يمتد الحديث عن الدكتور دريد عبدالقادر نوري من مواليد 1949 وباطروحة دكتوراه عن: “انتشار الاسلام في السودان الغربي” من جامعة بغداد سنة 1982. اما عن الدكتور محمد علي داهش فيذكر الباحث في الفصل الثامن انه من مواليد 1953 وحصل على الدكتوراه من جامعة جارلس.. بجمهورية التشيك عن اطروحته: “جامعة الدول العربية وحركات التحرير الوطني في المغرب العربي 1945-1962” في عام 1991.
بعد ان كان الدكتور ذنون الطائي دارساً للمؤرخين الثمانية، تكفّل الدكتور احمد قاسم الجمعة بدراسة سيرته وكتبه وبحوثه في الفصل التاسع والاخير.
الدكتور الطائي من مواليد 1959 حاصل على الدكتوراه من كلية الاداب بجامعة الموصل.
هذا الكتاب جدير بالقراءة والتقدير، ليس للمتخصصين فقط بل لعموم القراء. الباحث لم يكن تقليدياً بالاكتفاء بمتابعة آفاق بحوثه عمن ترجم لهم، بل هو ركّز على اهم الجوانب الحياتية للمترجم لهم مستأنساً بالصفات الاخلاقية والانسانية عندهم. وهو رغم ثراء مواد بحثه عن هؤلاء الاساتذة في مسيرتهم العلمية منذ الابتدائية وحتى اعلى مراحل التحصيل العلمي، فقد ساح معهم في اطاريحهم للماجستير والدكتوراه ومع الاجواء الاكاديمية التي عايشوها كطلبة علم، ومع إشرافهم على العديد من اطاريح الدراسات العليا او المساهمة في مناقشتها، ومع مئات من بحوثهم المنشورة في مجلات اكاديمية عراقية وعربية وعالمية وايضاً مع مساهماتهم العديدة في المؤتمرات العلمية داخل القطر وخارجه، يضاف لذلك الاستئناس بآراء هذا او ذاك من علماء التاريخ بنتاجات وجهود من تناولهم بالبحث. الباحث ليس غريبا عمّن درس حياتهم ومنجزاتهم في البحث التاريخي، فمنهم من زامله في سنوات الدراسة، ومنهم من اعترف لهم بالفضل كأساتذة له في فترات تحصيله الاكاديمي، ومن باب التكريم لم يغفل الباحث حتى عن ذكر (الجوائز وشهادات التقدير) من مؤسسات علمية عراقية وعربية لعدد من هؤلاء.
ادهشتني في هذا الكتاب تلك الموازنة الدقيقة المنصفة للمبحوث عنهم من المؤرخين، وبلا أي حرج ومنهم – وكما ذكرت – من كان استاذاً للباحث او مجايلاً له عمراً او ممن زاملهم في الدراسة الاولية في الكلية او ممن التقاهم زملاء في الدراسات العليا، ومن المهم ايضاً التنبيه على ان الباحث اعطى حتى للامور الصغيرة اهميتها، فإن كثيراً مما يبدو صغيراً في نظر البعض يكون له اهميته وخطره في مسرى التاريخ وفي صنع الاحداث المؤثرة. هذا الكتاب مع حياديته كتب بروح من المحبة والتقدير للمؤرخين الثمانية وهذه الحميمية قد فتقدها في أعداد من المؤلفات في هذه الايام.
اعود لأقول رغم الآفاق الفسيحة لمشروع الباحث في تأليفه هذا من الجوانب العلمية، فقد اعطى الجوانب الانسانية للمترجم لهم الاهمية البالغة والكبيرة بدءاً من علاقاتهم بالمحلة وناسها، وبالمدينة وبالوسط الجامعي الاكاديمي وبما اتصفوا به من اخلاقيات عالية وبتواضع العلماء في التعامل والتفاعل مع المجتمع عموماً بالاضافة للوسط الجامعي. كان الباحث بشهادته وشهادات كثيرين ممن وثق بهم ووثق اقوالهم جامعاً للصفتين الضروريتين لكل بحث علمي: المادة والمضمون والجهد العلمي يضاف له حميمية العلاقات الانسانية المثمرة للخير والمحبة لكل إنجاز علمي اشاد به الباحث لمؤرخيه قرنه بالانجاز الاخلاقي الانساني الذي كرّس احترام الناس لأمثال هؤلاء من الذين نذروا انفسهم ولأعمار طويلة قراءةً وكتابةً وبحثاً وسفراً مجهداً من اجل (الرحلة في طلب العلم) وربما عانى بعضهم من ظروف مادية وصحية وشخصية، ولكن كل تلك الظروف لم تستطع إسكات او حتى إضعاف روح العلم ومتابعته ومحبته في نفوسهم الكريمة، المجبولة على طلب المعرفة مهما قست عليهم الظروف والأزمان.