قضاء حيفا ، في رسالة دكتوراه
الطالب علاء سعادة اثناء مناقشة رسالته
نوقش في قسم التاريخ بجامعة مؤتة في الثالث من شهر ايار(2012 م) رسالة دكتوراه ، تقدم بها الطالب علاء كامل عبد الجابر سعادة وكانت تحت عنوان
قضاء حيفا
وقد تشكلت لجنة المناقشة من السادة.
الاستاذ الدكتور محمد سالم الطراونة رئيسا ومشرفا
الاستاذ الدكتور نوفان رجا السوارية عضوا
الاستاذ الدكتور محمود الرويضي عضوا
الاستاذ المشارك الدكتورعيسى ابو سليم عضوا
وقد قدم الطالب في بداية الجلسة مقدمة تحدث فيها عن اسباب اختياره ( قضاء حيفا اواخر العهد العثماني ) موضوعا لرسالة للدكتوراه والخطوات العلمية التي سلكها في انجازها والنتائج التي توصل اليها ، ثم جرت مناقشته على مدى اكثر من ساعتين ، وبعد التداول صدر قرار اللجنة بالاجماع بمنحه درجة الدكتوراه بمرتبة امتياز
و في الوقت الذي نبارك فيه للدكتور علاء سعادة حصوله على درجة الدكتوراه ، يسرنا ان ننشر نص الكلمة التي تقدم بها امام اللجنة المناقشة والتي تتضمن خلاصة وافية عن اطروحته والتي جاء فيها قوله
إن التطرق إلى تاريخ حضارة من الحضارات في العالم أو دولة ما، لهو نوعٌ من استحضار الماضي بكافة أصنافه وأشكاله ومتغيراته، لمعرفة مدى تأثر هذه الحضارة أو الدولة بما سبقها، وتأثيرها في المستقبل علينا، ولذلك فإن دراسة التاريخ تتطلب الولوج في أعماق الأحداث، وقراءة تفاصيلها على شكل نهج علمي، يحقق نسقاً فكرياً منهجياً، تتتابع فيه الأحداث والمجريات، وقد تتداخل فيما بينها، كنهرٍ انتشرت فروعه بين الفيافي لكنها في النهاية، تصب في محيط من العلوم والدراسات التاريخية الإنسانية والاجتماعية بفروعها كافة، لخدمة البشرية جمعاء.
ولا يزال علم التاريخ الحديث والمعاصر ذا قرب من ملامسة الأحداث التاريخية القريبة من أيامنا هذه، أو حتى انعكاساتها علينا الآن، إذ إن آثار الحربين العالميتين: الأولى والثانية لا تزال شاخصة أمام العيان جغرافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، سواء من خلال نتائجها المباشرة على المنطقة العربية، أو من خلال ما تمخضت عنه مجموعة الاتفاقيات والمعاهدات والمؤتمرات على الصعيدين: الإقليمي والدولي بشأن مصير البلاد العربية، وبما أن التاريخ الحديث والمعاصر سلَّط الضوء على هذه الأحداث والمجريات القريبة منَّا، فلا بد من قراءتها وفهمها بروية ودقة عالية، وموضوعية شاملة، للخروج بنتائج حقيقية أو أقرب إلى الحقيقة.
وبما أن الدولة العثمانية هي صاحبة اليد الطولى في المنطقة العربية، وذلك بحكم الفترة الزمنية الطويلة التي عاشتها الدولة والتي امتدت لستة قرون، منها: أربعة قرون في المنطقة العربية بين مد وجز، لذا فإننا نعيش ضمن مُناخ الدولة العثمانية إدارياً بمسمياتها، وسياسياً واقتصادياً بانعكاساتها فيما بعد الحرب العالمية الأولى، وعليه فإن تناول أي منطقة أو مدينة عربية داخل الفترة العثمانية، انما هو انعكاس لهذا التاريخ العثماني، فقد ساد نظام مركزي واضح داخل الدولة العثمانية، تأثرت به المنطقة التي عاشت تحت ظلها، حيث كانت المناطق والمدن العربية تتذبذب في تَبَعِيَّتِها إدارياً، وتتنقل بين ولاية وأخرى، أو بين هذا اللواء أو ذاك، ويسير على ذلك مجموعة الأقضية داخل اللواء، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التقسيم الإداري داخل الدولة العثمانية لم يكن وفقاً للمنطقة الجغرافية، بل كان وفقاً لتطور هذا اللواء أو ذاك القضاء اقتصادياً وسياسياً بالدرجة الأولى.
لقد ارتأت هذه الدراسة أن تتناول قضاء حيفا في أواخر العهد العثماني من نواحيه الجغرافية والإدارية والاقتصادية والحياة الاجتماعية والدينية كافة، وكذلك الناحيتين العلمية والعمرانية، لكي تخرج الصورة واضحة وجليِّة عن تاريخ هذا القضاء، وقد شَهِدَ قضاء حيفا سبقاً للوجود الأجنبي في فلسطين، والذي انعكس سلباً أكثر منه إيجاباً على السكان والأراضي، وتمثَّل هذا الوجود الأجنبي بالعرق الجرماني(الألماني)، حيث يوجد في قضاء حيفا حي عُرف باسم(الحي الألماني) عاش فيه الألمان ومارسوا أنشطتهم التجارية والدينية والعلمية، ثم تطور الحي إلى مستعمرة لهم فيما بعد.
اعتمدت الدراسة بشكل أساسي على مجموعة من الوثائق والمصادر والمراجع التاريخية، المتمثلة بسجلات المحكمة الشرعية في حيفا وعكا، ودفاتر الطابو، والسالنامات العثمانية المتعددة، بالإضافة إلى الاعتماد على مجموعة من الدوريات والصحف والمراجع الموجودة في قائمة المصادر والمراجع، فقد نقلت الصحف صورة أسبوعية وأحياناً يومية حول ما حدث في منطقة حيفا ولواء عكا من أمور سياسية واقتصادية واجتماعية واستحداث قوانين إدارية جديدة داخل الولاية وتعيين أو عزل الموظفين الإداريين.
قُسِّمت الدراسة إلى ستة فصول تناول الفصل الأول في بدايته العرض التحليلي لبعض المصادر والمراجع التي استخدمت لإعداد الدراسة، فقد تم التركيز على جملة من المصادر والمراجع الأصيلة التي أغنت الدراسة بالمعلومات والوثائق، وقد جرى تحليلها بشكل مقتضب حتى يكوِّن القارئ صورة مبدئية واضحة عنها، وكذلك اشتمل الفصل الأول على تمهيد شكَّل النبذة التاريخية لمدينة حيفا منذ العصور القديمة مروراً بالفترة الرومانية على المنطقة العربية ومنها مدينة حيفا، ودخولاً بفترة الفتح الإسلامي لمدينة حيفا كغيرها من المدن في فلسطين وبلاد الشام وما عاصرته حيفا من الحروب الصليبية وصولاً إلى غاية الدراسة، وهي دخول المنطقة ضمن التوسع والنفوذ العثماني، وما تمخض عن هذا الانضمام من تطورات شملت مختلف النواحي السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يقف هذا الفصل عند بداية فترة الدراسة، وهي الأوضاع التي عاصرتها مدينة حيفا في أواخر العهد العثماني.
تطرَّق الفصل الثاني إلى جغرافية قضاء حيفا الذي اتخذه عنواناً له، فقد تم تناول موضوع تسمية حيفا وجذور هذا الاسم، وما دخل على المدينة من مسميات أجنبية، خلال الفترات التي عاصرتها، إلا أنها حافظت على اسمها العربي الإسلامي(حيفا)، وبعد ذلك تم الولوج إلى تحديد موقع المدينة فلكياً وطبيعياً، ومن ثم عَرَضَ هذا الفصل التضاريس الطبيعية التي تشكَّلت منها مدينة حيفا، حيث يعد جبل الكرمل أبرز معالمها التضاريسية، وكذلك ساحلها الممتد على البحر المتوسط، بالإضافة إلى السهول والأودية والأنهار والعيون والينابيع وآبار المياه، ثم عرَّج الفصل على موضوع المُناخ الذي وُصِفَ بأنه مناخ البحر المتوسط المعتدل، حيث تم توزيع المُناخ إلى أربع شُعب هي: الأمطار، والرياح، ودرجة الحرارة، والرطوبة.
اختص الفصل الثالث بالأوضاع الإدارية داخل قضاء حيفا، فقد اسْتُهِل بتوضيح التقسيمات الإدارية في العهد العثماني، وتبعية حيفا الإدارية التي بقيت ملحقة بلواء عكا في أواخر العهد العثماني، إلا أن تبعيِّة هذا اللواء تنقلت بين ولاية سورية عام1281هـ/1864م بعد إلغاء ولاية صيدا، وبين ولاية بيروت عام1305هـ/1887م، وعليه فقد عاشت حيفا خلال فترة الدراسة مرحلتين إداريتين: الأولى مدتها 23 عاماً(1281-1305هـ/1864-1887م) كانت تابعة للواء عكا التابع لولاية سورية، والثانية مدتها 30 عاماً(1305-1335هـ/1887-1917م) بدأت بعد أن انتقلت تبعية لواء عكا إلى ولاية بيروت وانتهت بنهاية الحرب العالمية الأولى، فقد شملت ولاية بيروت القسم الجنوبي الساحلي لبلاد الشام، وصاحَبَ هذا التنقل تطوراً حيناً وتقهقراً حيناً آخر، إلى أن أصبحت حيفا مركز قضاء في عام1305هـ/1887م بالتزامن مع نشوء ولاية بيروت، مما زاد من أهميتها على الأصعدة كافة، فأضاف ذلك تطوراً اقتصادياً وسياسياً ملموساً انعكس على النواحي الاجتماعية والعمرانية للسكان.
ومن ثم تناول الفصل نفسه النواحي والقرى في قضاء حيفا التي تعرضت هي أيضاً للزيادة في أعدادها تدريجياً، فقد تم التطرق لكل قرية على حدة من حيث: موقعها بالنسبة لقصبة حيفا وبعدها عنها، وأهم العائلات القاطنة فيها، وجملة من المعلومات التاريخية الخاصة بكل قرية، وقد تم ترتيب القرى داخل الدراسة وفق الترتيب الهجائي، ثم تناول الفصل أهم المحلات والحارات والطرق والأزقة التي وجدت في قضاء حيفا، ثم تلا ذلك موضوع المستعمرات في قضاء حيفا، حيث وجدت مستعمرة ألمانية تعد من أقدم المستعمرات في فلسطين، كما أُنشئت عدد من المستعمرات اليهودية بعد أن تمكن اليهود من شراء أراضٍ وقرى بأكملها في قضاء حيفا أقاموا عليها مستعمراتهم.
أما بالنسبة للجهاز الإداري داخل قضاء حيفا، فقد أُفرد له موضوع خاص ضمن الفصل الثالث، وتم تقسيمه إلى خمسة أقسام هي: الوظائف الإدارية، والمجالس الإدارية، والوظائف القضائية، والمحاكم وأنواعها، والوظائف الدينية. ثم تناول الفصل الثالث المجلس البلدي في قضاء حيفا الذي يُنتخب أعضاؤه من سكان قضاء حيفا على اختلاف مذاهبهم، وعُرِضت الخدمات التي يقدمها المجلس البلدي لسكان قضاء حيفا في القصبة والنواحي والقرى، وختم الفصل الثالث بموضوع الجيش وقوات الأمن وحفظ النظام الموجودة داخل قضاء حيفا.
وعرَّج الفصل الرابع على الجانب الاقتصادي في قضاء حيفا، ضمن ثمانية محاور رئيسة هي: الأول تناول الأراضي وأنواعها، وقانون تسجيل الأراضي(الطابو)، وأصحاب المُلكيات الكبيرة للأراضي في قضاء حيفا، والثاني ركز على الزراعة من حيث: أساليبها وأنواع المحاصيل الزراعية في قضاء حيفا والثروة الحيوانية، والثالث اختص بالتجارة ونشاطها والبنوك التجارية التي وجدت في قضاء حيفا، والميناء الذي شكَّل عماد الحركة التجارية في قضاء حيفا وربطه مع مختلف دول العالم، وتناول المحور الرابع المواصلات والنقل والاتصالات، المتمثلة بالطرق البرية، والسكة الحديدية الحجازية من (حيفا-دمشق)، والملاحة البحرية، والتلغراف والبوستة (البرق والبريد).
واختص المحور الخامس بالصناعات والحرف من حيث: أنواعها وأسماء الأسواق وانتشارها في قضاء حيفا وأنواع الحرف والمهن الموجودة بداخلها، ووضَّح السادس أنواع الضرائب والرسوم التي كانت تفرض على السكان في قضاء حيفا وكمياتها، فبعض هذه الضرائب فرض على الزراعة بشقيها: النباتي والحيواني، وبعضها الآخر فرض على البضائع والسلع التجارية، ثم عُرضت الطرائق التي جُبيت فيها الضرائب، وركز المحور السابع على النقود العثمانية وأنواعها: النحاسية والنيكلية والفضية والذهبية، وكذلك النقود الأجنبية المتداولة في قضاء حيفا، وبيان قيمتها وما يعادلها بالقرش العثماني، والمحور الثامن بيَّن المكاييل والأوزان والمقاييس الرائجة والمستعملة في قضاء حيفا، التي عكست شكل التجارة المحلية والخارجية، بالإضافة إلى أنها بيَّنت أنواع المقاييس المتعددة المستخدمة لطرق احتساب مساحة العقارات والأراضي في قضاء حيفا خلال فترة الدراسة.
تطرَّق الفصل الخامس إلى الحياة الاجتماعية في قضاء حيفا، من خلال توضيح موضوع السكان الذي تتبعت فيه الدراسة سكان قضاء حيفا على مرّ الفترات التاريخية، وما طرأ على المدينة من هجرات عربية وأجنبية، أدت إلى زيادة أعداد السكان داخل القضاء، حيث أفردت الدراسة مجموعة من الجداول الإحصائية، لوضع القارئ أمام الأعداد السكانية بوضوح، ثم تناول الفصل البنية الاجتماعية داخل قضاء حيفا، والتي تكوَّنت من السكان الأصليين العرب، والمهاجرين الأجانب، الذين توزعوا حسب طبيعة أعمالهم وممتلكاتهم إلى طبقات اجتماعية متعددة، وبعد ذلك جرى توضيح الطوائف الدينية الموجودة داخل قضاء حيفا، كلاً على حدة من المسلمين والمسيحيين واليهود، بالإضافة إلى الطائفة البهائية التي تركزت في منطقة حيفا بشكل خاص، بعد أن أقاموا مقراً لهم ولأتباعهم المنحصرين في العرق الفارسي على جبل الكرمل.
وبما أن الفصل الخامس تناول الحياة الاجتماعية، فكان لا بد من الوقوف على مجمل العادات والتقاليد المتعارف عليها مع تفصيلاتها داخل قضاء حيفا، وما جرت عليه عاداتهم الاجتماعية، فقد قُسِّم هذا الموضوع إلى ثلاثة أقسام هي: الأول الأعياد والمناسبات الدينية، الثاني العادات والتقاليد الخاصة بالزواج داخل المجتمع في حيفا، الثالث أُفرد للعادات والتقاليد المتنوعة من: زيارة المريض، والأتراح، واستقبال المولود الجديد، والملابس والأزياء، واللهجة الشعبية، والأمثال والحكم الشعبية الدارجة في حيفا وغيرها، وعند النظر إلى هذه العادات والتقاليد يتبيَّن أنها متماشية مع مثيلاتها في مختلف مدن فلسطين خاصة وبلاد الشام عامة.
أما الفصل السادس فقد اتخذ من الناحيتين العلمية والعمرانية في قضاء حيفا عنواناً له، وقد تم الحديث في هذا الفصل عن المنشآت العمرانية العلمية، مثل: المدارس، والطباعة، والمكتبات، والصحف، والمجلات، والجمعيات والنوادي الثقافية التي وجدت وتنوعت في قضاء حيفا؛ فمنها: العربية والغربية والإسلامية والمسيحية واليهودية، ثم تطرَّق الفصل السادس إلى المنشآت العمرانية الدينية في قضاء حيفا، وهي: الجوامع، والمقامات والزوايا، والأديرة والكنائس، والأوقاف، والمقابر، فقد تم تناول هذه المنشآت العمرانية العلمية والدينية، كُلاًّ بمفرده بالتحليل والتخصيص.
عرَّج الفصل السادس كذلك على المنشآت العمرانية العامة، المتمثلة بالخدمات الصحية المقدمة داخل قضاء حيفا، مثل: المستشفيات والمراكز الصحية، ومدى الجهود التي بذلت لمكافحة الأوبئة التي ظهرت آنذاك، وقد خُصِّصَ موضوع للمنازل في قضاء حيفا من حيث: أشكالها، وحجمها، وكيفية بنائها، وأنواع المواد المستخدمة فيها، ومكوناتها، وأسماء العديد من أصحابها، وجاء الحديث بعد المنازل عن الحمَّام العام الوحيد الذي يقع في وسط قصبة حيفا، ليتمكن الجميع من الوصول إليه بسهوله، ثم تناول هذا الفصل المواقع الأثرية والخِرَب الموجودة بكثرة في حيفا وقراها بسبب تعاقب الحضارات عليها، وخُتم الفصل السادس بالحديث عن الشخصيات العربية البارزة من المسلمين والمسيحيين في قضاء حيفا، مرتبين حسب الاسم الأخير أو اسم العائلة وفق الترتيب الهجائي.
وتم وضع خاتمة لهذه الدراسة شكَّلت حصاداً لما خرجت به من أحداث ومجريات تاريخية، شملت مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاصرها قضاء حيفا، وما تمخضت عن ذلك من نتائج ومعلومات على مرّ الأعوام التي غطتها الدراسة، بحيث تم استخلاصها من الوثائق والمصادر والمراجع، ثم تلتها قائمة رُصِدَت بِداخِلها المصادر والمراجع جميعها التي استفادت منها هذه الدراسة مرتبة ترتيباً منهجياً.
وفي الختام أسأل الله العليم القدير أن تكون الغاية التي رسمها الباحث وخطَّها في ذهنه عن هذا العمل قد أُنجزت وتحققت، وما توفيقي إلا بالله تعالى من قبل ومن بعد، فإن أصبت فهو من الله وهدايته، وإن جانبت الصواب فمن نفسي، والحمد والشكر لله رب العالمين المنَّان.