الدولة الرستمية على عهد افلح بن عبد الوهاب
تحت هذا العنوان نوقشت خلال السنة الجامعية
1432-1433هـ/2011-2012م
مذكرة (اطروحة) تخرج وذلك في شعبة التاريخ بقسم العلوم
الانسانية /كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بجامعة حسيبة بن بو علي – الشلف
إعداد الاطروحة الطالبة سالم عطية آمال
تحت اشراف
الاستاذ الدكتور عبد القادر بوباية
وفيما يلي خلاصة عن هذه المذكرة اعدت من قبل الباحثة الفاضلة نفسها
تعتبر الدولة الرستمية أول دولة إسلامية مستقلة قامت بالمغرب الأوسط وكان ذلك سنة 160هـ/777م على يد عبد الرحمن بن رستم ، حيث تداول على حكمه عدد من الأئمة الذين اتصف البعض منهم بحسن إدارة شؤون الدولة، ومن بينهم أفلح بن عبد الوهاب ثالث الأئمة الرستميين الذي حكمها في الفترة الممتدة من سنة 211هـ/826ـ854م، حيث استطاع أن يجعل من تاهرت حاضرة من حواضر المغرب الإسلامي، وعليه نطرح إشكالية يندرج تحتها العديد من التساؤلات : كيف كانت الدولة الرستمية على عهد الإمام أفلح بن عبد الوهاب ؟ وما هي طبيعة العلاقات التي جمعته مع جيرانه؟ ولماذا بلغت الدولة الرستمية أوج ازدهارها على عهده؟.
يعود سبب اختاري لهذا الموضوع إلى مرحلة الليسانس حيث قدمت مذكرة تخرج في نهاية السنة الجامعية 2009/2010م بعنوان”الدولة الرستمية نشأتها وحضارتها” تعرفت من خلالها على الأئمة الذين حكموا الدولة، وقد استوقفتني شخصية أفلح بن عبد الوهاب إذ يعتبر عهده من المحطات الهامة في تاريخ المغرب الأوسط حيث نقل الدولة الرستمية من مرحلة البداوة إلى مرحلة التحضر ومن هنا ترجع أهمية الموضوع لأنه يسلط الضوء على حقبة تاريخية مهمة من تاريخ الدولة الرستمية وكذالك لان الإمام افلح كان مساهما بشكل كبير في مختلف الأحداث السياسية وأيضا ذو دور بارز في الحركة الفكرية.
ومن أجل دراسة وافية للموضوع قمنا بتقسيمه إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.
تناولت الدراسة في التمهيد نبذة تاريخية عن الدولة الرستمية أردت من خلالها أن أمهد للموضوع، فتحدثت فيها عن وصول المذهب الإباضي إلى المغرب الإسلامي وكيف استطاع عبد الرحمن بن رستم أن يؤسس دولته ثم أوجزت فترة حكم ابنه الإمام عبد الوهاب .
أما الفصل الأول فتطرقت فيه إلى شخصية الإمام أفلح بن عبد الوهاب حتى تكون لنا فكرة واضحة عن حياته، والجهود التي قام بها قبل توليه الحكم كما يشتمل هذا الفصل على سياسته الداخلية حيث فصلت كيف تم القضاء الفتن التي كانت على عهده.
خصصت الفصل الثاني لسياسته الداخلية وكذا طبيعة العلاقات الخارجية التي جمعته مع جيرانه.
تحدثنا في الفصل الثالث عن نظام الحكم والخطط من شرطة وقضاء وولاة الأقاليم، وفي نفس الفصل تناولنا الأوضاع الاقتصادية حيث ذكرنا منتجاتها الزراعية وأيضا التجارة الخارجية والداخلية والحرف التي كانت موجودة آنذاك.
وأفردنا الفصل الرابع للحديث عن الحياة الاجتماعية والفكرية حيث قسمناه إلى عنصرين : تناولت في العنصر الأول تركيبة السكان ومذاهبهم، ومستواهم المعيشي، وأبرزنا في الثاني الحياة الفكرية وأهم المراكز التعليمة في الدولة الرستمية، والدور الذي أولاه الإمام افلح بن عبد الوهاب بهذا الجانب وأهم العلوم المتداولة على عهده، وأنهيت البحث بخاتمة كانت حوصلة للنتائج المتوصل إليها من خلال الدراسة .
اتبعنا في هذا البحث المنهج التاريخي التحليلي والمقارن مع طبيعة الموضوع فالتحليلي كان من أجل تمحيص الأحداث أما المقارن للنقد.
عرض وتقييم المصادر:
من أجل دراسة هذا الموضوع استعنت بمجموعة من المصادر والمراجع ومن أبرز المصادر:
أ ـ المصادر التاريخية:
1ـ أخبار الأئمة الرستميين: لابن الصغير (كان بقيد الحياة في القرن الثالث هجري، التاسع هجري) يعتبر ابن الصغير مؤرخ الدولة الرستمية، كان من سكان تاهرت، وقد ذكر أنه عاصر أواخر أيام
الرستميين، وقد تناول في كتابه تاريخ الأئمة الرستميين في تاهرت ولم يتحدث عن أخبار الدولة خارج تاهرت وهناك العديد من الأحداث السياسية التي لم يعطها حقها كمشاركة نفوسة في معركة الواصلية، وأيضا عدم ذكره للحركة الخلفية والنفاثية، ورغم ذلك فقد انفرد ابن الصغير عن غيره من المؤرخين بمعلومات قيمة لا نجدها عند غيره من مؤرخي الاباضية و بخاصة المتعلقة بالجانب الاجتماعي و
الاقتصادي.
2ـ سير الأئمة وأخبارهم: لأبي زكرياء يحي بن أبي بكر الورجلاني المتوفى سنة 474هـ/1078م، يعتبر كتاب سير الأئمة الرستميين المصادر الخاصة بتاريخ الإباضيين في المغرب، ويحتوي على معلومات مهمة عن دخول المذهب الاباضي الى المغرب وتطوره فيه ، وعن تاريخ الرستميين وسقوطهم، وعن أحداث دولتهم، وقد افادني كثيرا في مختلف فصول البحث، وبخاصة انه زودنا بتفاصيل عن الحركة الخلفية والنفاثية، على الرغم من الفجوات التاريخة الموجودة في الكتاب مثل إهمال المؤلف لتاريخ الدول المجاورة للرستميين، وبخاصة منها دولة الادارسة والاغالبة، والعلاقات مع الامويين بالاندلس، فإن الكتاب يكتسي أهمية كبيرة ولا يمكن لاي باحث الاستغناء عنه في الكتابة عن الدولة الرستمية، كما أن الكتاب في بدايته يورد الكثير من الأحاديث الموضوعة.
3ـ طبقات المشائخ بالمغرب: لأبي العباس احمد بن سعيد بن سلميان بن يخلف الدرجيني،المتوفى في النصف الثاني من القرن السابع الهجري (منتصف القرن الثالث عشر الميلادي) وهو مفت وشاعر ومؤرخ إباضي ومؤلف. ينقسم كتابه إلى قسمين : أدرج في الأول منه ما كتبه أبو زكرياء الورجلاني مع تعليقات وتوضيحات غلب عليه الطابع التاريخي، واثبت في القسم الثاني من طبقاته مجموع سير العلماء وبعض الشخصيات الإباضية المشهورة، وقسم تراجمه إلى اثنتي عشرة طبقة تغطي كل طبقة منها فترة خمسين سنة وجاءت الطبقات الأولى خاصة بعلماء المشرق في القرنين الأول والثاني للهجرة مقتصرا على ما أورده أبو زكرياء الورجلاني بينما أفرد الطبقات الثمانية الموالية لمشائخ الإباضية بالمغرب واقتصر في الطبقات الأربع الأخيرة على شخصيات من ورجلان وسوف والجريد وجربة.
و قد تمكنتُ من خلال هذا الكتاب ان اتعرف على الكثير من الشخصيات من جبل نفوسة ومن تاهرت ،والتي كان لها دور فعال في سير الأحداث في الدولة الرستمية على عهد افلح بن عبد الوهاب .
4ـ سير مشائخ نفوسة:
لمقرين بن محمد البغطوري وهو من علماء القرن السادس هجري.
اهتم البغطوري بالأحداث التاريخية لجبل نفوسة والمناطق المجاورة لها مثل طرابلس وجربة كما اهتم بمؤلفات سيرة علماء الجبل. يحتوي هذا الكتاب على الكثير من المعلومات المتعلقة بالأئمة الرستميين حيث تطرق إلى الفتن الداخلية التي كانت في جبل نفوسة. الكتاب ذو اهمية كبيرة الا
ان ما يُؤخذ عليه أنه مليء بالأساطير والكرامات إضافة إلى أن البغطوري لم يحافظ على التسلسل الزمني للأحداث .
5ـ الجواهر المنتقاة فيما أهمله كتاب الطبقات: لأبي القاسم ابن إبراهيم البرادي وهو مؤرخ ومفهرس، عاش في القسم الثاني من( القرن الثامن الهجري /الرابع عشر ميلادي)، ويشير نسبه إلى
انه من مواليد جبل دمر الموجود بأقصى الجنوب الشرقي التونسي، وكان هدفه من خلال هذا الكتاب إتمام كتاب طبقات المشائخ للدرجيني، ويستهل البرادي كتابه بإدراج أحاديثَ نبوية متعلقة بالإيمان والعلم وغيرها ،وهي في أغلبها ضعيفة او موضوعة، وبعدها يتحدث عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك عن تاريخ الراشدين، كما يتطرق لسيرة الائمة الرستمين، ويكتسي الكتاب أهمية بالغة نظرا لاحتوائه على عناوين مؤلفات علماء الاباضة و التي استنتجت من خلالها أن لأفلح جوابات كان قد أرسلها إلى أهل نفوسة.
ب ـ المصادر الجغرافية:
6ـ المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب:لأبي عبيد البكري عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن أيوب بن عمرو البكري الأندلسي المتوفى عام 487هـ/1094م يكتسي هذا الكتاب أهمية كبيرة لأن مؤلفه تمكن من استعمال مصادر لم يستملها الجغرافيون الذين سبقوه ، حيث يقودنا المؤلف من خلال هذا الكتاب إلى الحديث عن بلاد المغرب الإسلامي، ابتدءا من إحدى القرى الواقعة على النيل إلى بلاد المغرب وتتوالى المعلومات عن المسالك والممالك كما نجد تحليلات تاريخية طويلة عن الأدارسة
وبرغواطة، وقد احتفظ لنا البكري بمعلومات قيمة عن الدولة الرستمية حيث يخبرنا أن موضع تيهرت كان هضبة أشبه ملتف الأشجار وينفرد البكري برواية دون غيره، إذ يذكر أن الاباضية توجهوا إلى تاهرت القديمة، فلما أرادوا بناءها من جديد كانوا كلما بنو شيئا في الليل وجدوه قد تهدم في الصباح فعزفوا عن ذلك الموضع، وانتقلوا إلى موضع تيهرت وهي الحديثة، كما أورد أن مجمع الواصبية كان قريبا من تيهرت وبهذا فكتاب البكري من المصادر التي لا يستغنى عنها في الكتابة عن الدولة
الرستمية.
7ـ المسالك والممالك والمفاوز والمهالك “او صورة الارض”:
لأبي القاسم محمد بن علي بن حوقل النصيبي البغدادي الموصلي المتوفى سنة 380هـ/990م.
قام ابن حوقل في كتابه بتلخيص الرحلة الطويلة التي بدأها سنة 331هـ/942م من بغداد وكان هدفه منها دراسة المسالك والبلدان ورغبة في الإرتزاق عن طريق التجارة ولكن لم يلبث أن نمى في نفسه حب الاستطلاع والرغبة في معرفة البلاد.
زار ابن حوقل بلاد المغرب وكتب معلومات مهمة عن المناطق التي زارها حيث يمكننا من خلالها من معرفة أهم المحاصيل الزراعية التي كانت تنتجها تاهرت.
واجهتنا صعوبات أثناء عملية البحث وهي :
ان أغلب الدراسات تتحدث عن الدولة الرستمية بصفة عامة، كما أنها تركز على الجانب السياسي ، اضافة لقلة المادة العلمية في الجانب الاجتماعي.
لقد حاولت من خلال هذا البحث الإجابة عن التساؤلات التي طرحتها في المقدمة وخَلُصْتُ
إلى جملة من النتائج أهمها:
ـ إن الحديث عن إمام الدولة الرستمية أبي سعيد أفلح بن عبد الوهاب، يفرض علينا
الرجوع إلى مرحلة صباه، حيث أولى والده عناية كبيرة بتعليمه، وهو ما أثر على تحصيله العلمي، وهو ما أهله أن يتصدر صغيرا مجالس التدريس وإلقاء العلوم على اختلاف فنونها، الشجاعة التي تميز بها أفلح بن عبد الوهاب وهو في حدود العشرين من عمره وهذا ما جعلته صاحب بارزا في
خضم الفتن التي حدثت في تيهرت.
ـ إدارته الحسنة للدولة الرستمية لمدة سبعة أعوام، أثناء مكوث الإمام عبد الوهاب في جبل نفوسة .
ـ بتولي أفلح بن عبد الوهاب يكون الإباضية بذلك قد تخلوا عن مبدأ الشورى الذي يعتبر أمرا ضروريا لتعيين الإمام حيث تحولت الإمامة إلى ملك يتوارثه الأبناء.
ـ بعد أن بويع أفلح بالإمامة انتهج سياسة محكمة للقضاء على الثورة الضاربة أطنابها في جبل نفوسة، كما قام بتدعيم أركان دولته وبث نفوذه السياسي بالحيلة .
ـ تنوع العلاقات الخارجية للدولة الرستمية مع مختلف الدول صداقة وعداءا وهنا نخص بالذكر العلاقات الطيبة التي سجلتها المصادر التي جمعت الإمام أفلح مع الإمارة الأموية، وبذلك فإن أفلح لم يدخر جهدا في إظهار دولته بمظهر القوة والسلطان فعمها الاستقرار.
ـ إعتناء أفلح بالناحية الإدارية للدولة الرستمية حيث عين الولاة على الأقاليم والشرطة والقضاة،
وما يلاحظ على بعض الوظائف هو تدخل عناصر ليست من تيهرت.
ـ عرفت الدولة الرستمية نشاطا واسعا في الزراعة، وقد ساعدها على ذلك عوامل كثيرة منها وفرة الأراضي الخصبة ونتيجة لذلك تنوعت المنتوجات الزراعية، كما اعتبرت التجارة من أهم الأنشطة الاقتصادية في الدولة الرستمية خاصة مع توافد التجارإليها.
ـ تنوع التركيبة البشرية نتيجة توافد العديد من الأجناس والقبائل على الدولة الرستمية، إضافة إلى ذلك احتضان الدولة الرستمية مختلف الفرق الدينية التي كانت ُتقام بينها المناظرات العلمية وهو ما يؤكد تسامحها الكبير .
ـ أضحت تيهرت مركزا ثقافيا هاما في المغرب الإسلامي، وهذا يرجع الى الإهتمام الكبير الذي أولاه أفلح للعلم حيث تنوعت العلوم المتداولة في تيهرت، كما شاركت المرأة الرستمية هي الأخرى
في هذه الحركة العلمية.
وهكذا كان الإمام أفلح رجل سياسة وعلم ولذلك حققت الدولة الرستمية
على عهده مجدا وتألقا وحضارة.
تحت هذا العنوان نوقشت خلال السنة الجامعية
1432-1433هـ/2011-2012م
مذكرة (اطروحة) تخرج وذلك في شعبة التاريخ بقسم العلوم
الانسانية /كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بجامعة حسيبة بن بو علي – الشلف
إعداد الاطروحة الطالبة سالم عطية آمال
تحت اشراف
الاستاذ الدكتور عبد القادر بوباية
وفيما يلي خلاصة عن هذه المذكرة اعدت من قبل الباحثة الفاضلة نفسها
تعتبر الدولة الرستمية أول دولة إسلامية مستقلة قامت بالمغرب الأوسط وكان ذلك سنة 160هـ/777م على يد عبد الرحمن بن رستم ، حيث تداول على حكمه عدد من الأئمة الذين اتصف البعض منهم بحسن إدارة شؤون الدولة، ومن بينهم أفلح بن عبد الوهاب ثالث الأئمة الرستميين الذي حكمها في الفترة الممتدة من سنة 211هـ/826ـ854م، حيث استطاع أن يجعل من تاهرت حاضرة من حواضر المغرب الإسلامي، وعليه نطرح إشكالية يندرج تحتها العديد من التساؤلات : كيف كانت الدولة الرستمية على عهد الإمام أفلح بن عبد الوهاب ؟ وما هي طبيعة العلاقات التي جمعته مع جيرانه؟ ولماذا بلغت الدولة الرستمية أوج ازدهارها على عهده؟.
يعود سبب اختاري لهذا الموضوع إلى مرحلة الليسانس حيث قدمت مذكرة تخرج في نهاية السنة الجامعية 2009/2010م بعنوان”الدولة الرستمية نشأتها وحضارتها” تعرفت من خلالها على الأئمة الذين حكموا الدولة، وقد استوقفتني شخصية أفلح بن عبد الوهاب إذ يعتبر عهده من المحطات الهامة في تاريخ المغرب الأوسط حيث نقل الدولة الرستمية من مرحلة البداوة إلى مرحلة التحضر ومن هنا ترجع أهمية الموضوع لأنه يسلط الضوء على حقبة تاريخية مهمة من تاريخ الدولة الرستمية وكذالك لان الإمام افلح كان مساهما بشكل كبير في مختلف الأحداث السياسية وأيضا ذو دور بارز في الحركة الفكرية.
ومن أجل دراسة وافية للموضوع قمنا بتقسيمه إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.
تناولت الدراسة في التمهيد نبذة تاريخية عن الدولة الرستمية أردت من خلالها أن أمهد للموضوع، فتحدثت فيها عن وصول المذهب الإباضي إلى المغرب الإسلامي وكيف استطاع عبد الرحمن بن رستم أن يؤسس دولته ثم أوجزت فترة حكم ابنه الإمام عبد الوهاب .
أما الفصل الأول فتطرقت فيه إلى شخصية الإمام أفلح بن عبد الوهاب حتى تكون لنا فكرة واضحة عن حياته، والجهود التي قام بها قبل توليه الحكم كما يشتمل هذا الفصل على سياسته الداخلية حيث فصلت كيف تم القضاء الفتن التي كانت على عهده.
خصصت الفصل الثاني لسياسته الداخلية وكذا طبيعة العلاقات الخارجية التي جمعته مع جيرانه.
تحدثنا في الفصل الثالث عن نظام الحكم والخطط من شرطة وقضاء وولاة الأقاليم، وفي نفس الفصل تناولنا الأوضاع الاقتصادية حيث ذكرنا منتجاتها الزراعية وأيضا التجارة الخارجية والداخلية والحرف التي كانت موجودة آنذاك.
وأفردنا الفصل الرابع للحديث عن الحياة الاجتماعية والفكرية حيث قسمناه إلى عنصرين : تناولت في العنصر الأول تركيبة السكان ومذاهبهم، ومستواهم المعيشي، وأبرزنا في الثاني الحياة الفكرية وأهم المراكز التعليمة في الدولة الرستمية، والدور الذي أولاه الإمام افلح بن عبد الوهاب بهذا الجانب وأهم العلوم المتداولة على عهده، وأنهيت البحث بخاتمة كانت حوصلة للنتائج المتوصل إليها من خلال الدراسة .
اتبعنا في هذا البحث المنهج التاريخي التحليلي والمقارن مع طبيعة الموضوع فالتحليلي كان من أجل تمحيص الأحداث أما المقارن للنقد.
عرض وتقييم المصادر:
من أجل دراسة هذا الموضوع استعنت بمجموعة من المصادر والمراجع ومن أبرز المصادر:
أ ـ المصادر التاريخية:
1ـ أخبار الأئمة الرستميين: لابن الصغير (كان بقيد الحياة في القرن الثالث هجري، التاسع هجري) يعتبر ابن الصغير مؤرخ الدولة الرستمية، كان من سكان تاهرت، وقد ذكر أنه عاصر أواخر أيام
الرستميين، وقد تناول في كتابه تاريخ الأئمة الرستميين في تاهرت ولم يتحدث عن أخبار الدولة خارج تاهرت وهناك العديد من الأحداث السياسية التي لم يعطها حقها كمشاركة نفوسة في معركة الواصلية، وأيضا عدم ذكره للحركة الخلفية والنفاثية، ورغم ذلك فقد انفرد ابن الصغير عن غيره من المؤرخين بمعلومات قيمة لا نجدها عند غيره من مؤرخي الاباضية و بخاصة المتعلقة بالجانب الاجتماعي و
الاقتصادي.
2ـ سير الأئمة وأخبارهم: لأبي زكرياء يحي بن أبي بكر الورجلاني المتوفى سنة 474هـ/1078م، يعتبر كتاب سير الأئمة الرستميين المصادر الخاصة بتاريخ الإباضيين في المغرب، ويحتوي على معلومات مهمة عن دخول المذهب الاباضي الى المغرب وتطوره فيه ، وعن تاريخ الرستميين وسقوطهم، وعن أحداث دولتهم، وقد افادني كثيرا في مختلف فصول البحث، وبخاصة انه زودنا بتفاصيل عن الحركة الخلفية والنفاثية، على الرغم من الفجوات التاريخة الموجودة في الكتاب مثل إهمال المؤلف لتاريخ الدول المجاورة للرستميين، وبخاصة منها دولة الادارسة والاغالبة، والعلاقات مع الامويين بالاندلس، فإن الكتاب يكتسي أهمية كبيرة ولا يمكن لاي باحث الاستغناء عنه في الكتابة عن الدولة الرستمية، كما أن الكتاب في بدايته يورد الكثير من الأحاديث الموضوعة.
3ـ طبقات المشائخ بالمغرب: لأبي العباس احمد بن سعيد بن سلميان بن يخلف الدرجيني،المتوفى في النصف الثاني من القرن السابع الهجري (منتصف القرن الثالث عشر الميلادي) وهو مفت وشاعر ومؤرخ إباضي ومؤلف. ينقسم كتابه إلى قسمين : أدرج في الأول منه ما كتبه أبو زكرياء الورجلاني مع تعليقات وتوضيحات غلب عليه الطابع التاريخي، واثبت في القسم الثاني من طبقاته مجموع سير العلماء وبعض الشخصيات الإباضية المشهورة، وقسم تراجمه إلى اثنتي عشرة طبقة تغطي كل طبقة منها فترة خمسين سنة وجاءت الطبقات الأولى خاصة بعلماء المشرق في القرنين الأول والثاني للهجرة مقتصرا على ما أورده أبو زكرياء الورجلاني بينما أفرد الطبقات الثمانية الموالية لمشائخ الإباضية بالمغرب واقتصر في الطبقات الأربع الأخيرة على شخصيات من ورجلان وسوف والجريد وجربة.
و قد تمكنتُ من خلال هذا الكتاب ان اتعرف على الكثير من الشخصيات من جبل نفوسة ومن تاهرت ،والتي كان لها دور فعال في سير الأحداث في الدولة الرستمية على عهد افلح بن عبد الوهاب .
4ـ سير مشائخ نفوسة:
لمقرين بن محمد البغطوري وهو من علماء القرن السادس هجري.
اهتم البغطوري بالأحداث التاريخية لجبل نفوسة والمناطق المجاورة لها مثل طرابلس وجربة كما اهتم بمؤلفات سيرة علماء الجبل. يحتوي هذا الكتاب على الكثير من المعلومات المتعلقة بالأئمة الرستميين حيث تطرق إلى الفتن الداخلية التي كانت في جبل نفوسة. الكتاب ذو اهمية كبيرة الا
ان ما يُؤخذ عليه أنه مليء بالأساطير والكرامات إضافة إلى أن البغطوري لم يحافظ على التسلسل الزمني للأحداث .
5ـ الجواهر المنتقاة فيما أهمله كتاب الطبقات: لأبي القاسم ابن إبراهيم البرادي وهو مؤرخ ومفهرس، عاش في القسم الثاني من( القرن الثامن الهجري /الرابع عشر ميلادي)، ويشير نسبه إلى
انه من مواليد جبل دمر الموجود بأقصى الجنوب الشرقي التونسي، وكان هدفه من خلال هذا الكتاب إتمام كتاب طبقات المشائخ للدرجيني، ويستهل البرادي كتابه بإدراج أحاديثَ نبوية متعلقة بالإيمان والعلم وغيرها ،وهي في أغلبها ضعيفة او موضوعة، وبعدها يتحدث عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك عن تاريخ الراشدين، كما يتطرق لسيرة الائمة الرستمين، ويكتسي الكتاب أهمية بالغة نظرا لاحتوائه على عناوين مؤلفات علماء الاباضة و التي استنتجت من خلالها أن لأفلح جوابات كان قد أرسلها إلى أهل نفوسة.
ب ـ المصادر الجغرافية:
6ـ المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب:لأبي عبيد البكري عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن أيوب بن عمرو البكري الأندلسي المتوفى عام 487هـ/1094م يكتسي هذا الكتاب أهمية كبيرة لأن مؤلفه تمكن من استعمال مصادر لم يستملها الجغرافيون الذين سبقوه ، حيث يقودنا المؤلف من خلال هذا الكتاب إلى الحديث عن بلاد المغرب الإسلامي، ابتدءا من إحدى القرى الواقعة على النيل إلى بلاد المغرب وتتوالى المعلومات عن المسالك والممالك كما نجد تحليلات تاريخية طويلة عن الأدارسة
وبرغواطة، وقد احتفظ لنا البكري بمعلومات قيمة عن الدولة الرستمية حيث يخبرنا أن موضع تيهرت كان هضبة أشبه ملتف الأشجار وينفرد البكري برواية دون غيره، إذ يذكر أن الاباضية توجهوا إلى تاهرت القديمة، فلما أرادوا بناءها من جديد كانوا كلما بنو شيئا في الليل وجدوه قد تهدم في الصباح فعزفوا عن ذلك الموضع، وانتقلوا إلى موضع تيهرت وهي الحديثة، كما أورد أن مجمع الواصبية كان قريبا من تيهرت وبهذا فكتاب البكري من المصادر التي لا يستغنى عنها في الكتابة عن الدولة
الرستمية.
7ـ المسالك والممالك والمفاوز والمهالك “او صورة الارض”:
لأبي القاسم محمد بن علي بن حوقل النصيبي البغدادي الموصلي المتوفى سنة 380هـ/990م.
قام ابن حوقل في كتابه بتلخيص الرحلة الطويلة التي بدأها سنة 331هـ/942م من بغداد وكان هدفه منها دراسة المسالك والبلدان ورغبة في الإرتزاق عن طريق التجارة ولكن لم يلبث أن نمى في نفسه حب الاستطلاع والرغبة في معرفة البلاد.
زار ابن حوقل بلاد المغرب وكتب معلومات مهمة عن المناطق التي زارها حيث يمكننا من خلالها من معرفة أهم المحاصيل الزراعية التي كانت تنتجها تاهرت.
واجهتنا صعوبات أثناء عملية البحث وهي :
ان أغلب الدراسات تتحدث عن الدولة الرستمية بصفة عامة، كما أنها تركز على الجانب السياسي ، اضافة لقلة المادة العلمية في الجانب الاجتماعي.
لقد حاولت من خلال هذا البحث الإجابة عن التساؤلات التي طرحتها في المقدمة وخَلُصْتُ
إلى جملة من النتائج أهمها:
ـ إن الحديث عن إمام الدولة الرستمية أبي سعيد أفلح بن عبد الوهاب، يفرض علينا
الرجوع إلى مرحلة صباه، حيث أولى والده عناية كبيرة بتعليمه، وهو ما أثر على تحصيله العلمي، وهو ما أهله أن يتصدر صغيرا مجالس التدريس وإلقاء العلوم على اختلاف فنونها، الشجاعة التي تميز بها أفلح بن عبد الوهاب وهو في حدود العشرين من عمره وهذا ما جعلته صاحب بارزا في
خضم الفتن التي حدثت في تيهرت.
ـ إدارته الحسنة للدولة الرستمية لمدة سبعة أعوام، أثناء مكوث الإمام عبد الوهاب في جبل نفوسة .
ـ بتولي أفلح بن عبد الوهاب يكون الإباضية بذلك قد تخلوا عن مبدأ الشورى الذي يعتبر أمرا ضروريا لتعيين الإمام حيث تحولت الإمامة إلى ملك يتوارثه الأبناء.
ـ بعد أن بويع أفلح بالإمامة انتهج سياسة محكمة للقضاء على الثورة الضاربة أطنابها في جبل نفوسة، كما قام بتدعيم أركان دولته وبث نفوذه السياسي بالحيلة .
ـ تنوع العلاقات الخارجية للدولة الرستمية مع مختلف الدول صداقة وعداءا وهنا نخص بالذكر العلاقات الطيبة التي سجلتها المصادر التي جمعت الإمام أفلح مع الإمارة الأموية، وبذلك فإن أفلح لم يدخر جهدا في إظهار دولته بمظهر القوة والسلطان فعمها الاستقرار.
ـ إعتناء أفلح بالناحية الإدارية للدولة الرستمية حيث عين الولاة على الأقاليم والشرطة والقضاة،
وما يلاحظ على بعض الوظائف هو تدخل عناصر ليست من تيهرت.
ـ عرفت الدولة الرستمية نشاطا واسعا في الزراعة، وقد ساعدها على ذلك عوامل كثيرة منها وفرة الأراضي الخصبة ونتيجة لذلك تنوعت المنتوجات الزراعية، كما اعتبرت التجارة من أهم الأنشطة الاقتصادية في الدولة الرستمية خاصة مع توافد التجارإليها.
ـ تنوع التركيبة البشرية نتيجة توافد العديد من الأجناس والقبائل على الدولة الرستمية، إضافة إلى ذلك احتضان الدولة الرستمية مختلف الفرق الدينية التي كانت ُتقام بينها المناظرات العلمية وهو ما يؤكد تسامحها الكبير .
ـ أضحت تيهرت مركزا ثقافيا هاما في المغرب الإسلامي، وهذا يرجع الى الإهتمام الكبير الذي أولاه أفلح للعلم حيث تنوعت العلوم المتداولة في تيهرت، كما شاركت المرأة الرستمية هي الأخرى
في هذه الحركة العلمية.
وهكذا كان الإمام أفلح رجل سياسة وعلم ولذلك حققت الدولة الرستمية
على عهده مجدا وتألقا وحضارة.